تتحدث وزيرة الثقافة الصحراوية، عضو الأمانة الوطنية بجبهة البوليساريو، السيدة خديجة حمدي، حرم الرئيس الصحراوي، ضمن هذا الحوار، عن عدة قضايا ثقافية وسياسية، أبرزها المشهد الثقافي الصحراوي وتجلّياته ضمن المعركة الدائرة بين البوليساريو والمملكة المغربية. كما تتحدث عن رؤيتها للحِراك الشعبي والتطورات الحاصلة بالمنطقة العربية والمغاربية، ومدى تأثير هذه التطوّرات على مسار القضية الصحراوية، وتكشف لأول مرة، التوجهات الكبرى لجبهة البوليساريو خلال المؤتمر الثالث عشر المرتقب عقده شهر ديسمبر المقبل، بالمناطق المحررة من الصحراء الغربية ..
تتواجدون بالجزائر في إطار زيارة عمل، هل من الممكن أن تُطلعينا على فحوى هذه الزيارة؟
هذه الزيارة تدخل في إطار التعاون المشترك بين عدة قطاعات صحراوية وجزائرية، خاصة على مستوى وزارتي السياحة والصناعة التقليدية والثقافة، وبالنسبة لملف الصناعة التقليدية، فقد أضيف مؤخرا إلى وزارة الثقافة بالدولة الصحراوية، وطبيعي جدا أن نبدأ في عملية البحث لتطوير هذا الملف، وأعتقد أنه تبقى دائما التجربة الجزائرية أقرب تجربة للواقع الصحراوي، ومن الطبيعي جدا كذلك أن يكون هناك لقاء مع السيد إسماعيل ميمون، وزير السياحة والصناعة التقليدية، حيث ناقشنا التجربة الجزائرية في هذا القطاع الهام وذي الأبعاد الإنسانية والسياسية والمهنية، ونحن إن شاء الله، بصدد العمل سويا للرفع من مستوى هذا الملف. كما كان هناك لقاء آخر مع وزيرة الثقافة الجزائرية السيدة خليدة تومي، والذي يدخل أيضا في إطار التعاون المشترك بين الوزارتين على مستوى القطاع الثقافي.
في الإطار الثقافي دائما، اختتمتم في منتصف الشهر المنصرم (15 سبتمبر) الأسبوع الثقافي للجمهورية الصحراوية بولاية تندوف، في طبعته الثالثة، ما هي أهمية ودلالة هذا الحدث؟
بالفعل، كانت هذه الطبعة الثالثة التي نُظمت على مستوى ولاية تندوف، وليست الفعالية الوحيدة التي تُظهر التراث الثقافي الصحراوي الأصيل على مستوى الجزائر الشقيقة، فقد سبق وأن نُظم المهرجان الثاني للثقافة الإفريقية بعد 40 سنة بالجزائر، حيث شهد على الحضور المتميز للثقافة الصحراوية وللدولة الصحراوية كعضو مؤسس للاتحاد الإفريقي، هناك أيضا عديد التوأمات التي تحتل الثقافة فيها حيّزا هاما جدا على مستوى بلديات الجزائر بكل من الوسط، الشرق والغرب، كما أن هناك العديد من الفعاليات الثقافية على المستوى الفني أو المسرحي أو على مستوى العروض المختلفة. الأسبوع الثقافي بولاية تندوف، محطة متميزة بالفعل إذا ما نظرنا للحيز الجغرافي وهو تندوف، والتي تعتبر واحدة من نقاط تقاطع التراث « الحساني » الأصيل، وكان جمهور ولاية تندوف، على لقاء كبير جدا بالثقافة « الحسانية » من خلال عديد الفعاليات التي نُظمت من خلال العمق الأكاديمي الذي ظهرت من خلاله الدولة والثورة والمؤسسات الصحراوية وكفاح الشعب الصحراوي خاصة على مستوى الجبهة السلمية، جبهة الإنتفاضة وجبهة حقوق الإنسان، وذلك عبر المحاضرات التي نُظمت، أو من خلال معارض الفنون التشكيلية والسينوغرافيا والصناعات التقليدية التي ليست غريبة على جمهور ولاية تندوف، كذلك من خلال الخيم التقليدية أو ما نسميه نحن بالحسانية بـ »المحصر »، إذًا الأسبوع الثقافي الصحراوي بولاية تندوف، كان محطة متميزة منحت الفرجة والبهجة للجمهور التندوفي، الذي يُعد الأقرب على خط التماس مع مخيمات اللاجئين الصحراويين، وقد خلق فعلا نوع من التقارب بين المجتمعين الصحراوي والجزائري .. هذا الموسم يُعد كذلك موسم للتضامن، كون الأسبوع لم يكن ثقافيا فحسب ولكن كان أسبوعا سياسيا وإعلاميا أيضا، أكدت من خلاله ولاية تندوف وسلطاتها وخاصة السيد الوالي عبد الحميد شاطر، على الموقف الدائم والثابت للدولة الجزائرية تجاه قضية الشعب الصحراوي العادلة.
وماذا فعلتم كجهة وصية للتصدّي للمحاولات الشرِسة الرامية لطمس الهوية الصحراوية؟
لا، الجبهة الثقافية في الواقع ليست جديدة، الجبهة الثقافية بالنسبة لي هي المنطلق وهي البداية إذا ما علمنا أن الهوية هي رأس الحربة في مقاومة أي شعب مهما كان .. عندما قاوم الشعب الجزائري فرنسا قاومها لأنه كان لا يريد أن يكون فرنسيا، وعندما قاومت شعوب أخرى الاحتلال البريطاني والاحتلال الإيطالي أو البرتغلي أو الإسباني، فإن مقاومتها جاءت انطلاقا من كونها لا تريد أن تكون غير نفسها، وبالنسبة للشعب الصحراوي فقد كانت مسألة الهوية تطرح نفسها بثقل منذ البداية، ولولا هذه الهوية لما كافح الصحراويون بقيادة جبهة البوليساريو ضد الإستعمار الإسباني بالأمس، ولولا هذه الهوية لما قاوم ولا زال يقاوم الصحراويون بالأمس عسكريا واليوم سلميا الاحتلال المغربي الدخيل، إذًا الهوية أو الثقافة بمصطلح أكبر وأشمل، هي رأس الحربة في هذه المقاومة، وهي جبهة حاضرة بالأساس، لكن عندما تتكلم البنادق فمن الضروري جدا أن تبرز الجبهة العسكرية، وعندما تفعل الدبلوماسية تبرز الدبلوماسية، وعندما يتكلم الإعلام بصوت عالٍ يبرز الإعلام بصوت عالٍ. في الظرف الحالي هناك جبهتان لابد أن تتكلما بصوت عالٍ، وهما الجبهة الإعلامية والجبهة الثقافية، وهما مطلوبتان للكلام ورفع صوت القضية الصحراوية عاليا على مستوى أكثر من جبهة وعلى مستوى أكثر من معركة، هذا المفهوم نستحضره بقوة في وزارة الثقافة، بل تستحضره جبهة البوليساريو والحكومة الصحراوية، خاصة إذا ما لاحظنا ما يقوم به الاحتلال المغربي من مناورات ومؤامرات تستهدف جبهتنا الثقافية بشكل خاص. كل ما يمارسه الاحتلال المغربي من مؤامرات لابتلاع ومن محاولات للذوبان ومن مؤامرات الإقصاء والتهميش و »التسييس السلبي » للتراث الثقافي الصحراوي وللهجة « الحسانية » وللفنون الصحراوية الأصيلة وللتراث المادي والتراث الإيكولوجي الصحراوي وللتراث الشفهي، يجعلنا نفهم وندرك بسرعة خطورة ما يقوم به الاحتلال من دسائس ومحاولات خبيثة لطمس واحتواء الهوية الصحراوية.
احتوى الدستور المغربي ضمن التعديلات الأخيرة، ترسيم اللهجة « الحسانية » الخاصة بالصحراويين، ما رأيكم؟
نعم، النظام المغربي حاول إدماج اللهجة الحسانية ضمن الدستور الجديد، وهي حقيقة مؤامرة غريبة جدا، لكن نحن نفهمها ونفهم أبعادها، كون الاحتلال المغربي قادر على القيام بأي شيء، ولا يعني أن كتابة اللهجة الحسانية في الدستور المغربي أنه تم فعلا إدماجها، لا مطلقا، اللهجة الحسانية هي لهجة الصحراويين الأصيلة وسيبقون يدافعون عنها باستماتة لأنهم أهلها وهم الذين يتكلمونها ويفهمونها، قد نؤمن بدستور مغربي يضم اللهجة الأمازيغية أو اللغة العربية، وربما لهجات بربرية أخرى، هذا طبيعي جدا، وهناك دساتير أخرى مطالبة بهذا إذا ما عرفنا الفسيفساء الاجتماعية لهذه المجتمعات، لكن من الغريب جدا أن يتناول الدستور المغربي اللهجة الحسانية أي استأصالها من آلاف الكيلومترات لضمها لهذا الدستور، هذا العمل الحثيث الذي يعمل عليه الاحتلال المغربي مثل عمل المنظمة العالمية للعلوم والثقافة والتربية « اليونسكو »، من خلال إدماج مجموعة مهرجانات ذات طابع صحراوي أصيل للتراث المغربي، وهناك العديد من المؤامرات نحن على وعي ودراية بها تماما وسنقاومها بالفعل وبالبرهان الميداني، فالثقافة الصحراوية الأصيلة لن تهجر من موقعها ولن تُستأصل من جذورها ولن ترحل، فقد يستطيع الاحتلال تهجير الشباب الصحراوي كما فعل منذ عهد الراحل الحسن الثاني عفا الله عنه، وقد يستغل الخيرات الطبيعية ويهجّرها إلى ما وراء البحار، وقد يستأصل الأسماك من المحيط الأطلسي، قد يستأصل الرمال، وقد يستأصل الفوسفات ولكنه لن يستطيع أن يستأصل الثقافة الصحراوية التي هي جزء من الوجدان الصحراوي الذي لم ولن تفلح السياسات مهما كانت في إقصائه أو طمسه.
ماهي الكيفية التي تساهم بها الثقافة في اختراق الحصار الإعلامي المفروض على المناطق المحتلة وعلى القضية الصحراوية بصفة عامة؟
الإعلام معناه التكنولوجيا ومعناه القاعدة الإقتصادية الصلبة التي تدفعه إلى تبليغ رسالة معيّنة، نحن شعب محتل وبالرغم من الغِنى الذي تمتاز به الصحراء الغربية إلا أن خيراتنا لا تزال تُستنزف من قِبل الاحتلال المغربي، ومعظم قطاعاتنا تعيش على الدعم الخارجي، الأمر الذي يحدد مجموعة من الأولويات التي تتعلق بحياة الإنسان كالتعليم والصحة والغذاء، وهذا ينعكس سلبا على قطاعات أخرى حيوية كالإعلام والثقافة، هذه حقيقة لابد أن نأخذها بعين الاعتبار، والسؤال المطروح الآن هو من يصنع الإعلام اليوم؟، وهنا لا أتحدث عن الإعلام الحديث وإعلام الشباب والمواقع الاجتماعية كالفايس بوك وغيره، والتي اخترقها الشباب بقوة واستطاع من خلالها أن يغير الكثير من المعالم، وإنما أتحدث عن الإعلام الرسمي الذي تُديره قوة كبيرة ورؤوس أموال ومؤسسات، ونحن للأسف لسنا محظوظين في هذا النوع من الإعلام، الأمر الذي يزيد من شدة الحصار، والسؤال الآخر هو من هم المؤثرون الرئيسون في الإعلام؟، إنها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا .. إلخ، هؤلاء موقفهم من القضية الصحراوية معروف ولا يحتاج لشرح أو توضيح، إذًا هناك عوَز على مستوى الجبهة الإعلامية، ونحن نحاول على قدر الإمكان أن تلعب الجبهة الثقافية دورها من منطلق أن الثقافة قادرة على اختراق الحدود، ومن منطلق أن الثقافة قادرة على مد جذور الإنسانية مهما اختلفت العقائد السياسية والدينية، وعلى أن الثقافة قادرة على اختراق العالم رغم اختلاف اللغات واختلاف العادات والتقاليد، فالموسيقي قادر على إبلاغ رسالته لكل أصقاع العالم، وقادر على أن يؤثر، والحال كذلك بالنسبة للرواية والقصة والمقال والفيلم والمسرحية، نحن نؤمن بأن هذه الميكانيزمات الثقافية، قادرة على نسج علاقات أكثر امتدادا على مستوى العالم إن شاء الله، ولا يعني هذا بالضرورة أننا في مستوى ذلك، لأنه حتى الثقافة في عالم اليوم تحتاج لإمكانات، إذ أنك لن تستطيع القيام بعمل مسرحي مثلا ما لم تتوفر مجموعة من الشروط أبرزها الديكور والإضاءة والملابس والخِبرات، إذًا هناك عوَز، ولكن بالمقابل هناك إرادة كبيرة وتصور هام جدا لدى كل الصحراويين بأهمية الثقافة سواء كرسالة للتعبير عن معاناة الشعب الصحراوي ومعاناة أهالينا بالأرض المحتلة، والتعبير عن صور الإنتفاضة المباركة بأكثر من لسان ثقافي، ومؤمنون أيضا بأننا من خلال الثقافة قادرون على كسب تأييد العديد من الحلفاء المؤمنين بحق الإنسان الصحراوي في الحرية والاستقلال.
شاركتم بصفتكم عضو في آخر اجتماع للأمانة الوطنية للبوليساريو، والذي تمخّض عن تشكيل اللجنة التحضيرية للمؤتمر، في نظركم ما مدى أهمية هذا المؤتمر خاصة في ظل ما نشهده من حِراك شعبي وسياسي ضمن نطاق المنطقة العربية والمغاربية بصفة خاصة؟
هو في الحقيقة مؤتمر عادي ويُعقد في فترته القانونية، والأمانة الوطنية ناقشت ضمن اجتماعها الأخير جملة من النقاط، ووقفت أيضا على عمل خلية التفكير التي قدمت للأمانة جملة من الخلاصات المتعلقة بتقييم التجربة الوطنية الصحراوية بشكل عام على المستوى العسكري والسياسي والدبلوماسي، وقدمت كذلك جملة من الاقتراحات التي وقفت عليها الأمانة الوطنية كتقييم التجربة الديمقراطية لجبهة البوليساريو وتقييم تجربة التداول على مستوى هياكل وهيئات الدولة الصحراوية، وتقييم وضع الشباب والنساء والتوجهات الكبرى لسياسة الجبهة في هذه القضايا، وقد كان هناك نقاش بنُاء وصريح وسيعمّق بإذن الله من خلال عمل اللجنة التحضيرية والذي لن يكون بمعزل عن القاعدة، وكل هذه القضايا ستنقل إلى القاعدة الشعبية والتي ستناقشها بعُمق على مستوى كل مخيمات اللاجئين، وعلى مستوى كل مواقع تواجد الصحراويين. إذًا توجد فرصة هامة جدا لنقاش كل هذه القضايا ومن ثمّ الخروج بجملة من الخُلاصات لتقدم للمؤتمر بما فيها بعض الإضافات الخاصة بالدستور ومعالجات في القانون الأساسي لجبهة البوليساريو، وهذا مهم جدا. المؤتمر يُعقد في ظرف بالنسبة لنا عادي، لكن بالنسبة للمحيط الذي نتواجد فيه هو ظرف غير عادي، خاصة إذا ما نظرنا إلى ما يحدث في الدول العربية وخاصة المغاربية، ولكن يبقى شيء عادي جدا، لأن ما تقوم به شعوب المنطقة العربية، وما تنادي به وغيرها هو الديمقراطية وحقوق الإنسان هو إدماج الشباب ومشاركة المرأة والحكم الراشد بشكل عام، وهذه المطالب هي نفسها مطالب الثورة الصحراوية من حرية وديمقراطية حق تقرير المصير، إذًا نحن ثورة ونطالب بنفس المطالب وهي ليست جديدة ولا غريبة عنا، أما الأمر الآخر فهو إذا ما تكلمنا عما يدور في هذا العالم العربي وقسناه من الناحية الزمنية فما هي الأولوية للشعب الصحراوي؟، ألم يكن مخيم « أكديم إزيك » بالعيون المحتلة أول انتفاضة سلمية بكل المقاييس؟، ولكنها للأسف قُمعت وحُوصرت إعلاميا، وبعد « أكديم إزيك » بثلاثة أو أربعة أشهر انطلق فتيل الانتفاضات الشعبية بتونس ثم مصر وإلى غير ذلك، ولكن لابد أن نعترف وللتاريخ، بأن الريادة كانت للصحراويين وكانت لـ »أكديم إزيك »، الذي شُيّدت فيه الآلاف من الخيم، وشارك فيه أكثر من 20 ألف صحراوي، وكان في منتهى التنظيم والانضباط، وفي منتهى القدرة على التسيير، كانت تجربة رائعة للانتفاضة السلمية، ولكن المغرب خاف من هذه الانتفاضة السلمية وقمعها، وقد كان الهجوم يوم 8 نوفمبر 2010، عبارة عن مجزرة سيسجلها التاريخ الحديث كأقبح ما قام به الاحتلال المغربي في السنوات الأخيرة، وتضاف طبعا إلى قَنْبلته لأم أدريكة والتفاريتي وأمكالة وتضاف إلى سجونه ومعتقالته الجماعية التي لا تزال إلى حد الآن مفتوحة أمام العشرات بل المئات من النشطاء الحقوقيين الصحراويين.
تشهد المنطقة حِراكا سياسيا وثورات شعبية عارمة اختلفت الآراء السياسية والإعلامية حولها، ما هي وجهة نظركم تجاه هذه الثورات؟، وهل يمكن أن يؤثر هذا التغيير الذي حدث على مستوى هرم بعض الأنظمة العربية في مواقف هذه الدول تجاه القضية الصحراوية؟
شخصيا آمل أن يكون التغيير إيجابيا، وعندما تحمل شعوب هذه الدول شعار الثورة فعليها أن تُدرك بأن الثورة لا يجب أن تكون نقيضا للثورة، والثورة لابد أن تُكمّل الثورة وأن تؤمن بمبادئها وإلا فلن تكون ثورة، بمعنى أن الثورة لا يجب أن تتناقض مع نفسها، إذا كانت هذه ثورات فعلا وهذا هو الرهان الحقيقي كونها تحمل شعار حرية التعبير وحق تقرير المصير وشعار الإيمان بحق الآخر، فنحن نرحّب به ونشجعه لأنه سيدعم حقنا في تقرير المصير وسيدعم حقنا في الحرية والكرامة، لأننا نلتقي في نفس المطالب وفي نفس الخط، أتمنى أن لا تأكل هذه الثورات نفسها إذا آمنت بأنها ثورة، لأنه كما قلتِ في سؤالك هناك آراء كثيرة على مستوى التحليل السياسي والتغطية الإعلامية وعلى مستوى اختلاف وجهات النظر، فهناك من يؤكد بأنها ثورات وهناك من يُنسبها لتأثير العوامل الخارجية والمتنفّذين في السياسة العالمية مثلما يحدث الآن للأسف الشديد في ليبيا الشقيقة، نتيجة لجملة من الاعتبارات، إلا أن الرهان المستقبلي أمام هذه الشعوب، هو إلى أي مدى ستكون ملتزمة بهذه المبادئ الأساسية للثورة الحقيقية، أي مبادئ حقوق الإنسان وحق التعبير والاقتصاد والخيرات .. إلخ، أما إذا تناقضت مع نفسها فلا ثورة ولا هم يحزنون، نحن نأمل الكثير ونتمنى الكثير من الشعب التونسي الشقيق، وبأن يقف إلى جانب الشعب الصحراوي المكافح ولم لا، فهذه القوة السياسية المتنوعة داخل تونس الشقيقة والتي لها إرث سياسي كبير جدا، قادرة على أن تستوعب كفاح الشعب الصحراوي، والموقف في مصر أيضا، كون أن مصر ذو إرث تاريخي وحِراك سياسي، نتمنى كما قلت أن تستوعب حق الشعب الصحراوي المشروع في الحرية والإستقلال والكرامة، وهذا على غرار الشعوب الأخرى، لأن المستقبل مستقبل الشعوب إذا كانت حقا قادرة على صيانة مكاسبها وقادرة على توحيد وجهة نظرها.
كان من أهم الأحداث والتطورات التي شغلت الرأي العام على هامش الحِراك الشعبي والثورات العربية، اتهام المجلس الانتقالي الليبي لجبهة البوليساريو بإرسال مرتزقة لليبيا، ما هي وجهة نظركم تجاه هذه النقطة؟، وهل تعتقدين أن مثل هذه التطورات يمكن أن تؤثر على مسار العلاقات الصحراوية الليبية مستقبلا، خاصة أنها كانت تربطكم علاقات وطيدة بليبيا إبان نظام معمر القذافي البائد؟
لا، لا أعتقد ذلك، حقيقةً، الثورة الليبية تمر الآن بظروف صعبة لكنها قادرة على الخروج من كل الأزمات، والشعب الليبي ساند تاريخيا الثورة في الساقية الحمراء ووادي الذهب، وأستغل هذه الفرصة لأحيي كل الشعب العربي بليبيا، وأحيي العائلات التي استقبلت أبناءنا منذ سنوات اللجوء الأولى، وقدمت الدعم لمخيّمات اللاجئين الصحراويين بغض النظر عن أي نظام سياسي مهما كان.
(مقاطعا) .. هذا عن الماضي ولكن ماذا عن الآن؟
ما يمكن أن أقوله الآن هو أن موقف السيد مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الانتقالي الليبي، كان واضحا جدا عندما نفى نفيا قاطعا في إحدى مؤتمراته الصحافية أي علاقة لجبهة البوليساريو بكل ما نُسب إليها من ادّعاءات باطلة، وقال بالحرف الواحد إنه ليس بإمكانه أن يتهم أي أحد، وبالفعل، الإخوة في ليبيا متأكدون تماما بأنه ليس لجبهة البوليساريو مرتزقة، وأن الشعب الصحراوي ليس به مرتزقة، كون الشعب الصحراوي هو مجموعة من الثوار الذين يكافحون من أجل حقهم في تقرير المصير والإستقلال الوطني، وجبهة كفاحهم واضحة جدا ولا تتعدى حدود الساقية الحمراء ووادي الذهب. لا نُصدّر ثورتنا لأحد، ونحن مؤمنين بأن كفاحنا له حدوده الطبيعية وشكله السياسي والعسكري الخاص به، إذًا الإخوة الليبيون متأكدون تماما ويعرفون جيدا الصحراويين، ولا أعتقد أن هذا النوع من الادّعاءات قادرة على أن تفعل فِعلتها على الأشقاء الليبيين، خاصة أن من خلقها هو النظام المغربي ومخابراته، من أجل تشويه سمعة الشعب الصحراوي وتشويه سمعة جبهة البوليساريو، وهو مجرد عمل خبيث، ومجرد مؤامرات دنيئة جدا، وهي دلالة على دناءة الاستعلامات المغربية المعروفة بمثل هذه الأعمال، ولكنها تبقى مجرد فقاعات ذابت في حينها.
بعيدا عن المجال السياسي، من المعروف أنكِ كاتبة وقاصة وشاعرة، ما هي آخر إصداراتك، وهل من جديد في الأفق؟
آخر الإصدارات كانت المجموعة القصصية « مرافئ الرمل »، الصادرة عن دار فضاءات للنشر والتوزيع بالأردن، وهناك مشروع رواية بعنوان « الرحيل نحو الشمس »، والتي أتوقع أن تصدر قريبا بإذن الله.
Be the first to comment