ومن حيث لا ندري، تلقينا الصفعة، ومن الخلف كالعادة، وكأن قدرنا دائما أن نتعرض للطعنات من وراء ظهورنا جراء حسن نيتنا حينا.. وفي أحايين كثيرة نتيجة ثقتنا العمياء في جيراننا ومحيطنا… هذه المرة جاءت الطعنة من عدو قريب، كان قد شيد منذ سنوات قواعده غير بعيد عن مضارب خيامنا، عدو لطالما كان يتربص بنا منذ زمن، يحوم حول مواقعنا، يتصيد أي غفلة أو غفوة، يتحين الفرصة للانقضاض علينا، وفعلها أخيرا…!!
إنه » الإرهاب »، ذلك العدو الزئبقي الذي لم نعتد على مواجهته، و لم نراكم تجارب في مجابهته و » الحرب عليه » كالعديد من الدول، وكيف ذلك ونحن لم نعرفه لا من قريب ولا من بعيد، ولم يكن لنا معه أي احتكاك يذكر، فهو لم يضرب قط مناطق نفوذنا، ولا تجرأ على حتى المرور من جغرافيتنا، ولم يكن هناك أي تقاطع بين مصلحتنا في التحرير مع مصالحه في التخريب…!!، إنها » ظاهرة غريبة » لم نألفها من قبل، ولم تكن محاربتها في صلب اهتماماتنا ولا حساباتنا، فنحن الذين خضنا الحروب تلو الحروب ضد دول قائمة وأنظمة مستبدة وجيوش جبارة وتحالفات دولية ومؤامرات إقليمية واستطعنا بجدارة أن نحقق عدة انتصارات تاريخية ومكاسب لا حصر لها – وحتى حين وقعنا اتفاق وقف إطلاق النار مع الجانب المغربي، فإن بنادق مقاتلينا بقيت مصوبة نحوه، وظلت الأصابع على الزناد، تحسبا لأي خرق أو طارئ أو مفاجأة – لم يدر في خلدنا أبدا أن الأيام تخبأ لنا عدوا جبانا ستنضاف أعباء مواجهته، على تكاليف ثنائية » البناء والتحرير.
إنه » تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي » الذي نفذ جريمته البشعة من خلال اختطافه لثلاثة متعاونين أوروبيين من مخيمات اللاجئين الصحراويين في الدقائق الأخيرة من عمر يوم السبت الماضي، هذا التنظيم الهلامي والحربائي الذي طالما سمعنا بجرائمه وضرباته التي لم تسلم منها أي دولة من دول المنطقة، لكننا لم نكن حتى نتكهن بأننا سنكون في مرماه ذات يوم، وبأن الجمهورية الصحراوية هي هدفه القادم، بل كنا دائما ننتشي بمقولة » الاستثناء » وأننا في منأى عن الإرهاب، بل ونفتخر بحصانتنا وتحصيناتنا وحصوننا وأمننا وآماننا ونستشهد على ذلك بأكثر من ثلاثة عقود من الاستقرار والعيش الآمن في اللجوء دون تسجيل ولو حادث صغير في المخيمات أو المناطق المحررة، ولست أدري ما هو مصدر هذه الثقة الزائدة، هل لأننا كنا نظن أننا أقوياء بما يكفي وعصيون على أي استهداف…؟ هل لأن هذا التنظيم الإرهابي له حسابات مع كبار المنطقة فقط ..؟ أم أننا اعتقدنا أن مأساة لجوئنا وتشردنا تشفع لنا عند من صنف نفسه كملاك أو » روبين هود » مدافع عن الدين و القيم والأخلاق وكل ضعيف ومظلوم.
الحقيقة أنه لا هذا ولا ذاك، فعملية الاختطاف الجبانة أثبتت أننا لسنا استثناء أبدا، ولسنا مهابي الجانب، ولا محصنين ضد هكذا جرائم مروعة، وأن هذا التنظيم لا دين له ولا أخلاق ولا هوية ولا جنسية له ولا حواجز لطموحاته ولا خطوط حمراء أمام مقاصده، بل فقط كان يتحين الفرصة وحين وجدها انقض عليها في جنح الظلام، وخرج بغنيمة كبيرة، ثلاثة رهائن أوروبيون، هي أفضل ما كان يتوق إليه هذا التنظيم الذي تقوى كثيرا بفضل عمليات اختطاف الرهائن الأجانب وابتزاز دولهم للإفراج عنهم مقابل فديات وأموال طائلة، مثلما تقوى أكثر عقب تفجر الثورة الليبية التي ساهمت في انتشار فوضى السلاح واتساع رقعة السوق السوداء التي غنم منها هذا التنظيم الكثير والكثير.
لقد زكت هذه الجريمة الجبانة، مقولة أن » الإرهاب ظاهرة عابرة للحدود » تستهدف السلم العالمي، مثلما أثبتت أن » تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي » هو خطر يحيق بكافة شعوب منطقة المغرب العربي بما فيها الشعب الصحراوي، وأصبح في الآونة الأخيرة بفعل قوته وكثافة عملياته وتوسيع دائرتها كابوسا حقيقيا يقض مضاجع المنطقة ككل والعالم بأسره، وإذا كانت هناك من دروس يمكن استنباطها من هذه » العملية الليلية الخسيسة » فهي أن القضاء على هذه الظاهرة/الكابوس لن يتأتى عن طريق شن كل دولة حربها عليه بشكل معزول، فقد أبانت كل دولة – رغم قوتها وقواتها وقدراتها الهائلة – عن عجزها وفشلها في القضاء تماما على هذا الشبح الرهيب بمفردها، لذا وجب على الجميع التفطن لخطورة هذا » العدو المشترك » واستدراك الأمر والعمل على وضع الآليات الكفيلة بالقضاء على هذه الظاهرة واستئصالها من جذورها، وذلك لن يتأتى إلا بالانسجام والتعاون والتنسيق التام بين كل الأطراف بما فيها جبهة البوليساريو كطرف موجود وفاعل وقادر أصبح مستهدفا بدوره بهذه الظاهرة، لكن كل الإجراءات ستبقى مبتورة وجزئية وثانوية ما لم يتم تجاوز كل العوائق وحل كل المشاكل والقضايا العالقة بشكل جذري، وعلى رأس ذلك حل قضية الصحراء الغربية بما يتوافق واحترام إرادة الشعب الصحراوي وتمكينه من حقه في تقرير مصيره، ومهما كانت النتيجة، فالأكيد أنها ستعزز من قيمة وقوة الحرب على هذا الإرهاب، فإما سيندمج الصحراويون في المغرب كليا أو جزئيا وحينها سيتوفر له الاستقرار الداخلي الذي سيمكنه من توجيه كل اهتمامه للتنسيق مع دول الجوار للقضاء على تلك الظاهرة التي اكتوى بدوره بنارها، وإما ستكون للصحراويين دولتهم المستقلة التي لن تتوانى عن التنسيق مع بقية جيرانها لاستئصال هذه الظاهرة التي ضربت في أرضها قبل أيام.
لقد أثبت نجاح وسرعة تنفيذ عملية الاختطاف الجبانة، أنها جاءت عن سابق تخطيط مدروس، فأن تخترق سيارة ذات دفع رباعي مجال المخيمات، وتهاجم إقامة الأجانب وتختطف ثلاثة منهم وتعود إلى أدراجها محملة بغنيمتها دون خسائر، فهذا يدل على أن هذا التنظيم كان يترصد هذه المخيمات منذ زمن وأنها كانت تحت عينيه ومجهره ومنظاره ومن ثم أعد لذلك خطة محكمة شملت دراسة الجغرافية و المداخل والمخارج والحراسة وغير ذلك، وهو أمر خطير يستوجب الحذر وأخذ الحيطة وتشديد الحراسة على كل النقط الواقعة تحت النفوذ، فمثل هذه العملية – لا سمح الله- يمكن أن تتطور إلى الأسوأ أو على الأقل تتكرر، خاصة وإن عَلِمنَا أن تنظيم القاعدة الذي أخذ على عاتقه تمويل نفسه عن طريق عمليات اختطاف الرهائن عانى مؤخرا من نفور السياح والأجانب من التوجه لمناطق نفوذه وتحركاته مما فوت عليه فرص اقتناصهم عن قرب، فما كان منه سوى المغامرة واصطيادهم من داخل مخيمات اللاجئين الصحراويين » لحويط لكصير »، على اعتبار أنها مقصدا للمتعاونين والمتضامنين الأجانب خاصة الأوروبيين – وهم غاية التنظيم- ولاشك أنه إذا نجح في مبتغاه هذا فإن ذلك سيسيل لعابه وسيدفعه للتربص مجددا بهذه المخيمات – التي كانت إلى الأمس القريب آمنة – للانقضاض على غنيمة جديدة أو لتنفيذ جرائم أكثر خطورة.
إن أول ما سيتبادر إلى أذهان البعض هو أن هذه الجريمة ستكون لها تداعيات خطيرة، سواء على صعيد استغلالها للتدليل على عجز الصحراويين عن تأمين مناطق نفوذهم أو على مستوى حجم توافد الأجانب من أصدقاء ومتضامنين ومتعاونين ورسل سلام وعمال إغاثة على مخيمات اللاجئين الصحراويين، لكن على أولئك الشامتين والحاقدين وحتى المتشائمين ألا يتناسوا أن ظاهرة الإرهاب ضربت دولا كبيرة بحجم قارة وبلدانا قوية تتقاسم قيادة العالم، وأن هؤلاء الأجانب الذين يتوافدون على مخيمات العزة والكرامة إنما يقومون بذلك بدوافع إنسانية وتضامنية بحتة، وهم من أجل ذلك قادرون على تخطى الصعاب وتحدي الأخطار للقيام بأدوارهم المثالية وتأدية رسائلهم النبيلة، وأن مثل هذه الجرائم لن تكون حجر عثرة أو بعبع أو فزاعة تثنيهم عن وقوفهم إلى جانب الشعب الصحراوي الذي لاشك أنه ليس الأول ولن يكون الأخير الذي اكتوى بنار الإرهاب، وأنه سيستفيد كثيرا من هذا الدرس – رب ضارة نافعة – ويحصن من الآن نفسه جيدا ضد أي خطر إرهابي كيف ما كان نوعه أو مصدره.
ما لا يدركه هذا التنظيم الإرهابي الجبان أنه جنا على نفسه بهذه العملية الدنيئة وهذه الفعلة الشنيعة، ووقع على بداية نهايته، فالصحراويون الذين دوخوا دولا قائمة وركعوا أنظمة طاغية لن يقف في وجههم تنظيم لقيط يقتات في جنح الظلام على موائد القرصنة والجريمة واستهداف الأبرياء واختطاف النساء، كما فاته أن الشعب الصحراوي المضياف لم ولن يتخلى عن ضيوفه مهما كلفه ذلك من ثمن….وبأي ثمن…!!
لقد جنت على نفسها براقش، وعلى الأوغاد أن يحصدوا ما حرثته أياديهم الآثمة، وأن يتحملوا سوء ما اقترفوه بحق ضيوف الشعب الصحراوي الكرام.
لقد أخطأوا العنوان… وتجرأوا على العرين… و » هذا ماهو بلد لعيارة « ….. وإن غدا لنا
ظره قريب…!!
Be the first to comment