بدأ آميدان مشواره الرياضي وهو في التاسعة من العمر، وانضم مرغما إلى فريق العدائين الناشين في المغرب في سن مبكرة. يقول أن محاولات المسئولين الرياضيين إدماجه في المجتمع المغرب فشلت بامتياز لأنه جعل من تفوقه الرياضي سلاحا سلميا للتعريف بقضية شعبه الصحراوي بعد أن لجأ إلى فرنسا.
منذ نعومة أظافره أدرك العداء الصحراوي صلاح آميدان (1982) أنه يجيد الركض السريع ولمسافات طويلة « بدأت شقيقتي الركض أولا، وفي يوم من الأيام دُعيت للمشاركة في مسابقة دون أن أتدرب وحصلت على الرتبة الثانية ». بعد أيام بدأت الطلبات تتقاطر عليه من مختلف الأندية الرياضية لينطلق مشواره الرياضي المحترف وهو في الحادية عشر من العمر.
يعزو آميدان تفوقه الرياضي لمطاردات الشرطة المغربية وراءه عندما كان يعاكسهم مع مجموعة من الأطفال الصحراويين. »عندما يتمكن أحد الصبيان أن يسرق قبعة الشرطي كان يُحترم في الحي ويكسب سمعة طيبة والناس تفرح للغنيمة التي حصل عليها… لكنهم لم يتمكنوا من آميدان لأنه يركض بسرعة ».
Radio Nederland,
مطاردات الطفولة هذه لعبت دورا في تكوين العداء آميدان، ودخوله ميدان الركض المحترف. لكن طفولته الشقية انتهت فجأة عندما اجتذب الفتى العّداء أنظارالمسئولين المغاربة في نهاية عام 1994. يقول آميدان « جاء للمنطقة وفد من المغرب لاختيار أحسن العدائين للمنتخب الوطني (الفئات الناشئة) ». وحقق آميدان نتيجة جيدة في ذلك السباق مما أهلّه تلقائيا للالتحاق بالفريق المغربي.
لكن هذا لم يكن حلم آميدان في يوم من الأيام أن يترك أهله إلى الرباط ويلتحق بالفريق الوطني وهو في الثانية عشرة من العمر. « كنت صغير السن ورفضت أن اترك أهلي لأعيش في الرباط على بعد 1400 كيلومتر عن أهلي في ثقافة ليست ثقافتي ولهجة لا أفهمها، وبدون عائلة وأصدقاء ». في البداية رفض آميدان العرض، لكن ضغوطات على والديه أرغمته على الذهاب.
« الضغوطات عديدة كان أهمها سياسية التفقير والتجويع » كما يقول آميدان حيث كان والده يتلقى معاش حكومي بسيط لإعالة أطفاله بعد أن فقد أحدى ساقيه في حادث.
يسترجع آميدان ذكرياته بعد وصوله للرباط وهو فتى في الثانية عشرة من العمر قائلا: « كل شيء كان غريبا بالنسبة لي، ثقافة جديدة، أناس يتكلمون لهجة غريبة، يلبسون ملابس مختلفة، حتى الطعام كان مختلفا ».
سياسة التقرب
شعر آميدان بالعزلة في الأشهر الأولى وكان منغلقا على نفسه لكنه لاحظ محاولة من المسئولين لدمجه في محيطه الجديد. يقول آميدان: « منذ البداية حاول المسئولون في المنتخب التقرب مني شخصيا ودمجي في المجتمع المغربي، اصطحبوني للمهرجانات الثقافية، ودعوني لمناسبات أخرى خارج الميدان الرياضي. كانت كلها محاولات لإعطائي صورة طيبة عن المجتمع المغربي ».
لكن يبدو أن سياسة التقرب من آميدان فشلت بإمتياز. فعزلته في الرباط ومحاولة التقرب منه في الاتحاد الرياضي انعكست في تحريكه وتعزيز هويته الصحراوية التي يفتخر بها. في عام 1999 وبينما كان آميدان يتلقى العلاج في الصحراء الغربية بعد إصابة أثناء الركض اعتقلته السلطات المغربية على خلفية المشاركة في مظاهرات مطالبة بالاستقلال، وأُفرج عنه بشرط مغادرة الصحراء. عاد آميدان أدراجه إلى الرباط لإكمال دراسته والتخطيط لما يسميه « باليوم الخالد ».
اليوم الخالد
عام 2003 اُختير آميدان للركض ضمن فريق مغربي في فرنسا. وكان هذا أول سباق أوربي يشارك فيه. خلال ألمائتي متر الأخيرة، وبعد أن أدرك أنه سيفوز بالسباق، حمل آميدان العلم الصحراوي المحظور في المغرب وركض به حتى خط النهاية. « كنت قد اتفقت مع أحد الأصدقاء أن يمد لي العلم الصحراوي فقط في حالة الفوز، وعندما تقدمت في السباق مدّ لي صديقي العلم الصحراوي ليرفرف فوق رأسي وأنا اقطع الأمتار الأخيرة في السباق والفوز بالمرتبة الأولى ».
بمجرد أن قطع خط النهاية طلب صلاح الحماية لدى الشرطة الفرنسية وحق اللجوء السياسي في فرنسا. وفقا لآميدان فإن الوفد المغربي حاول تعطيل مطلبه للجوء في فرنسا ومتابعته قضائيا لكن دون جدوى. اغتنم صلاح الاهتمام الصحافي لما قام به للتعريف أكثر بقضية الصحراء الغربية ومطالب سكانها بالاستقلال عن المغرب. « كان حلما تصورته منذ سنين أن احمل علم بلادي في السباق، هذا إلى جانب كونه إحراجا كبيرا للمغرب في البلد الصديق فرنسا ».
الثمن
لكن حماس آميدان ونشاطه السياسي من أجل قضية شعبه لم يأت بلا ثمن. إذ تعرض لعدد من التهديدات بالتصفية عبر الهاتف والاعتداءات اللفظية والجسدية في الملعب. كما أن عائلته في الصحراء الغربية تتعرض أيضا للضغوطات من قبل السلطات المغربية كما يقول. لكن من وراء هذه التهديدات؟ يقول آميدان: « التهديدات تأتي من المخابرات المغربية، وهذا أمر موثق لدى السلطات الفرنسية التي حققت في حوادث التهديد والاعتداء على شخصي …الجميع يعلم أن للمخابرات المغربية يد طويلة في أوربا »
لا يستبعد آميدان أن يتعرض للمزيد من التهديدات أو الخطر في المستقبل بما في ذلك الاغتيال « نحن على استعداد لما هو مكتوب لنا من أجل القضية الوطنية ». منذ لجوءه لفرنسا لا يمكن لآميدان زيارة الصحراء الغربية إلا بموافقة السلطات الفرنسية. هكذا تمكن من زيارة والده المريض هذا العام تحت الحماية الفرنسية.
يقول آميدان أن أهله لا زالوا يتعرضون للضغوطات في الصحراء الغربية حتى أن والده « طلب منه التخلي عن مشواره الرياضي ونشاطه السياسي من اجل الرجوع إلى الصحراء.. لكن لا من مال ولا منصب سيغير من رأيي » يقول آميدان.
وكأي لاعب ورياضي مهني يحلم آميدان بالمشاركة يوما ما في الألعاب الاولمبية « تحت شعار وعلم الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية » لكن السباق الأعظم الذي يرغب الفوز فيه هو سباق الاستقلال كما يوضح: « أعظم سباق يخوضه العداء صلاح آميدان هو سباق الاستقلال. فنحن في سباق مع المحتل حتى النهاية ».
مقطع من فيلم وثائقي جديد حول حياة العداء صلاح آميدان. للمزيد من المعلومات عن الفيلم انقر الرابط
Be the first to comment