بقلم : محمد هيبة ميارة
المواجهة بين المغرب والامانة العامة للامم المتحدة لا تقنع الكثير من الرفاق في جدوائيتها من ناحية دفع المغرب الى الانخراط بشكل جدي في تفعيل قرارات المنظمة الدولية وحل القضية وفق التصور الذي اتفق عليه طرفا النزاع وانشئت بموجبه مينورسو .
ومرد هذا التشاؤم يختلف بحسب تكوين وتجربة كل واحد من هؤلاء ، فثمة من يرى ان وقف اطلاق النار دون الحصول على ضمانات فعلية او على الاقل تحديد روزنامة زمنية لاجراء الاستفتاء كان خطيئة لا تغتفر وثمة من يغوص في التحليل ليستنتج فداحة الخسائر التي تكبدها شعبنا وهو ينتظر سرابا جاءه فلم يجده شيئا .. .
ومهما يكن الامر ، فالاقدار وان لعبت لصالح المغرب ادوارا واعطته نفسا وروحا جديدة وفرصا للمناورة عادت بعد ربع قرن لتلف حبلا حول رقبته بتصريح كيمون الذي لم ينطق به عن هوى .
وتصريح كيمون هذا يبدو انه حلقة اقرب الى النهاية في مخطط طويل ومعقد بدأه جيمس بيكر وواصله روس ويسعى الى فرض تصور « ابن نوح » لما يجب ان تكون عليه الامور.
فلو عدنا بالذاكرة الى عشرين عاما مضت ، فسنكتشف مدى الاهتمام الذي ابدته اميركا لنزاع الصحراء بترشيحها لثلاثة من كبار شخصياتها لتولي مسالة الوساطة بين المغرب وبوليساريو، اختير منهم بيكر للمهمة .
هذا الاهتمام ، الذي تلته جهود مضنية لواحد من كبار ومنظري السياسة في اميركا واجهته عراقيل فرنسية ليس دفاعا عن مصالح ثابتة ولكن تجسيدا لروح اتفاق سري بين الحسن 2 وشيراك تتعهد بموجبه فرنسا حماية الملكية بعد وفاة الاول لعشر سنوات، ما ان انتهت حتى عادت اميركا لطرح فكرتها ومخططها من جديد وكاني بها تأنب فرنسا عدم ترويضها لمدللها وتفويتهما الاثنين للفرص التي مرت مرور السحاب.
جاء روس الى الساحة بعد ان قُلمت اظافر فرنسا وليبدا من حيث انتهى بيكر ، ولم تمر السنة والنصف على تعيينه حتى بدات الرباط تترنح وتسحب ثقتها حينا وتعيدها اخرى في مشهد سياسي سخيف .
واذا كان بيكر قد استغل نفوذه وعلاقاته للضغط على الاحتلال من خلال FTA اتفاقية التجارة الحرة التي استثنت الاراضي المحتلة من الاتفاق مع المغرب فإن روس عبر اصدقاء الصحراء ينسخ الامر الى ردهات المؤسسات والهيئات والمحاكم الاوربية .
وبعد ورقتي حقوق الانسان التي انتهت بتبنى اميركا لمسودة قرار يدعو لتوسيع صلاحيات مينورسو و الثروات الطبيعية باصدار المحكمة الاوربية لقرارها المعروف جاء كيمون ليتوج الخطة بحديثه عن الاحتلال وجهوزية مينورسو لتنفيذ مهمتها الرئيسية » تنظيم الاستفتاء .. وليقطع شك المغرب باليقين .
ان الحرب الدانكشوتية التي يخوضها المغرب اليوم وان كانت نتاجا لصراع في بنية المخزن ومحاولات لتصريف ازماته الداخلية فهي في الواقع تذكرني بقصة في التراث تحكي امراة طلقها بعلها دون سبب فلما جاءت الى امها تشكو ، نهرتها وسبتها وامرتها بالعودة اليه ومهاجمته حتى تعود بسبب يقنع الفضول ويحفظ كرامتها .
انه الامر نفسه الذي يعيشه المغرب اليوم ، فقد جعل المنطقة برمتها على كف عفريت ، بعد ان ضاق الامر وبات في عزلة ، واراد ان يستغل المناسبة لتحويل مينورسو حارسا لوقف اطلاق النار بقرار اممي
ونحن بهذا امام سابقة خطيرة تجعل الامم المتحدة امام خيارين اما ان تستخدم سلطتها لفرض هيبتها او الاستسلام للعربدة .
وبرأينا ان الامور قد لاتسعد المغرب لاعتبارات سردنا جزءا منها اعلاه ولاسباب اخرى نجملها فيما يلي :
* ان المخفي في زيارة كيمون الى المنطقة هو محطة واغادوغو التي كانت حصنا وقلعة مخزنية تدار فيها المؤامرات ضد شعبنا وحلفائه وما زال في الذاكرة ما كان ضارة نافعة . كيمون جاء لتتويج الجهود وشرعنة النظام البوركينابي ضد جيوب مقاومته التي تمولها اطراف فشلت في محاولة استعادة الكومباورية وبالتالي انتزاع احد اهم اوراق الضغط المغربية .
* بعيدا عن دهائه وخبرته خروج ولد السيد في الشكل والمضمون و جمعه للمعارضة والموالاة الموريتانية ضوء اخضر لمواكبة التغيير في شكل وطبيعة النزاع ، اما اللقاء الابرز في الجزائر لقادة الرعيل الاول مع دائرة القرار السياسي والديبلوماسي والعسكري فهو رسالة جلية تقطع مع الماض وتبدأ مرحلة جديدة يستشرفها لعمامرة بثقة كاملة .
* وبخصوص مؤشرات العودة الى الحرب فيعي المغاربة قبل غيرهم ان اساليبها غير التي خبروا وان الجيش الصحراوي قادر على توسيع رقعة المعركة جغرافيا وتحقيق مكاسب عسكرية تصل الى حرب المواقع وان الجيش الصحراوي بعدته وعتاده ليس جيش الامس وان انجز الملاحم و المعجزات وان الاحزمة والجحور التي بناها FAR للاحتماء قد تكون ذما عليه ويندم .
هي مبررات دفعت بالساسة المغاربة الى تلطيف خطابهم بخاصة بعد نقل روس تقارير موثقة عن استعدادات بوليساريو بالعتاد الثقيل الى مجلس الامن .
ولن تنسينا الانتصارات السياسية والديبلوماسية المحققة ولا وحدة شعبنا وصموده لاربعين عاما عن الحديث عن خلل النظام المغربي بنيويا ، واقصد الدولة العميقة التي انتفضت بعد ان تجذرت، دولة البصري ورجاله المتمردون هم يسهمون بشكل او اخر في الدفع بارتكاب خصومهم الحماقات انتقاما ونيلا ممن اسموهم » لبراهش » ومن تجليات ما ندعيه تصويت شبيبة الاتحاد الاشتراكي لشبيبية الساقية الحمراء ووادي الذهب والدفع بالصعاليك والسوقة والجهال للمناظرات التلفزية وتجييش الشعب في مسيرات لن تحسم نزاعا فشلت في حسمه الجيوش المغربية .
ان تصعيد المغرب ضد من يراه حلقة اضعف هو بدون شك محاولة للضغط النفسي من اجل التاثير لتغيير حدة تقرير الامين العام الذي قد يكون صادما ، وطرد الموظفيين المدنيين من مينورسو اضافة الى ما اشرنا اليه سالفا هو محاولة لمعارضة اي مس بصلاحيات البعثة التي حافظت لربع قرن على مصالح المخزن والتي ظنها مكاسب .
وفي انتظار ما سيسفر عنه النقاش الدائر في مجلس الامن عقب تقرير كيمون وان كنا نبدي تفاؤلا حذرا الا اننا وكباقي الشعب نامل على من سعى للسلم وجنح لها ان يستعد للحرب ويعد لها ..
Soyez le premier à commenter